كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وبعد أن بين سبحانه العماد الذي تقوم عليه الأسرة، وهو الزوجان، أخذ يبين علاقة الإنسان بغيره من الناحية المالية فقالى سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.
ولقد كانت العلاقة بين الرجل والمرأة موضع نظر الماضين كما هي الآن موضع النظر والقول، فوضع الله سبحانه وتعالى الحدود التي تبين حقوق كليهما، فبين الله سبحانه وتعالى أن لكل منهما نصيبه من الكسب، {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما}. وبين مع ذلك أن للرجال فضل الرياسة والقوامة، وأن ذلك يظهر فيما للرجل على امرأته من ولاية التأديب، وقد ذكر سبحانه ضروب التأديب التي يملكها الرجل على زوجه، وكلها من غير قسوة ولا شذوذ ولا طغيان، ثم بين سبحانه العلاح إذا أصابت الأسرة آفة الشقاق، فقالى سبحانه وتعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا}.
وبعد أن بين سبحانه ما هو قوام الأسرة وعمادها- وقد أشار إلى العلاقات المالية بين الناس، وأن أساسها التراضى- أخذ سبحانه وتعالى يبين لنا العلاقة بين العبد وربه، والعلاقة بين العبد والناس بغير التجارة، فأما العلاقة بين العبد وربه فهى العبادة لله وحده، لا يشرك به أحدا، وأما العلاقة بينه وبين الناس فهى الإحسان، وأول من يجب له الإحسان الوالدان، ثم الإحسان إلى ذوى القربى واليتامى أيان كانوا؟ لأنهم إن أهملوا تربت بينهم وبين المجتمع روح العداوة، ثم الإحسان إلى الجار المجاور، والجار القريب لك، ومن تصاحبه في طريق أو عمل، والإحسان إلى ابن السبيل والضعفاء جميعا، والتضامن والتواضع، ولذا قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا}.
وبين سبحانه التلازم بين الاختيال والفخر والبخل، وبين عاقبة كليهما، وذكر أن من المختالين البخلاء من ينفقون أموالهم رئاء الناس، وأن هذه العيوب النفسية هي من وسوسة الشيطان، وبين سبحانه وتعالى عقاب هؤلاء في الدنيا والآخرة وكيف يحضرون يوم القيامة: {يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا}.
وقد بين سبحانه وتعالى الأساس الذي تقوم عليه العلاقة الإنسانية، وهو الضمير، والضمير لا يتربى إلا بالصلاة، ولذلك أخذ يشير إلى أحكامها، مشيرا إلى تحريم أم الخبائث وهى الخمر، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}.
ثم بين سبحانه حال أولئك الذين ماتت ضمائرهم مع ما أوتوه من علم الكتاب، وهم اليهود، فقد اتخذوا منه ذريعة للسلطان والسيطرة، وبذلك عملوا على إضلال غيرهم، وإفساد عقائد من كانوا يجاورونهم، وبين في هذا محاولتهم إيذاء النبي والتهكم عليه في دعوته، وفى أثناء بيان رسالته، وربط سبحانه وتعالى حاضرهم بماضيهم، وأشركهم سبحانه مع المشركين في قرن، وقد بين سبحانه أن الباعث على هذا الضلال والتضليل هو إرادتهم الملك والحسد، ولذا قال سبحانه: {أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} وبين سبحانه من بعد ذلك عاقبة الذين يكفرون بآياته سواء أكانوا ممن أوتوا الكتاب من قبل أم كانوا من المشركين. وقابل هذه العاقبة بما أفاضه الله تعالى من نعيم أخروى على المؤمنين.
وقد بين سبحانه وتعالى من بعد ذلك أساس الحكم الإسلامى، فذكر أنه العدل والأمانة، وأن أمثل طريق لتحرى العدل والأمانة هو إطاعة الله ورسوله، وأن الحاكم عليه أن يرد كل تنازع إلى حكم الكتاب والسنة، وأن التحاكم إلى غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله تحاكم إلى الطاغوت، وأن المنافق هو الذي يرتضى حكم الطاغوت بدل حكم الله تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} وقد بين أن أمارة الإيمان هو تحكيم الكتاب والسنة {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.
وإن الحق يجب أن ينصر، وإن المؤمن لا يصح أن يستسلم للاعتداء، وإذا كان العدل وأداء الأمانة وإطاعة الله ورسوله أساس الحكم الإسلامى، فإن العدل مع المخالفين هو أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وإن القتال إذا كان العدل يستوجبه يكون أمرا لازما، فإذا اعتدى على الإسلام وأهله وجب القتال، ووجب أخذ الأهبة، وكان الحذر من الأعداء بقتالهم: {فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا}.
وإن الخروح للقتال هو العلاقة المميزة بين أقوياء الإيمان وضعفاء الإيمان ومنهم المنافقون، فهؤلاء وأولئك يقولون: {لولا أخرتنا إلى أجل قريب}.
وشأن الضعاف أن يزيلوا عن أنفسهم مظنة التقصير، وينسبوا ما يصيبهم من سيئة لغيرهم، وينكروا فضل ذوى الفضل: {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا}.
وإن أولئك يخالفون الرسول، فالله سبحانه أكد لهم أن من يطع الرسول فقد أطاع الله، وأن ذلك كله من هجرهم لأوامر القرآن، وعدم تدبرهم لإعجازه ومراميه، وأن عليهم أن يردوا ما يستغلق عليهم فهمه إلى سنة الرسول وإلى العلماء منهم.
وإن أولئك المنافقين معوقون، ولذا أمرالله نبيه بألا يلتفت إليهم: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا}.
وقد بين سبحانه أن المعاملة بالمثل هي أساس الإسلام، وأن الجزاء مجانس للعمل دائما، والله سبحانه وتعالى سيجمع الناس جميعا يوم القيامة.
وقد ذكر سبحانه وتعالى ما ينبغى أن يعامل به المنافقون الذين هم كالداء الوبيل في جسم الأمة، فبين الله سبحانه وتعالى أن يعاملوا باحتراس ولا يتخذوا نصراء ولا أولياء، فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يخلصوا في دين الله تعالى، وإذا خرجوا من دياركم أيها المؤمنون فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا. إلا إذا لجأوا إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق، أو قوم ليس بينكم وبينهم حرب ولا يريدون أن يحاربوكم، فإن قاعدة الإسلام احترام المواثيق، وأن من سالم أهله لا يرفع عليه سيف، ولذا قال سبحانه وتعالى: {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}.
وإذا كان العدل هو أساس الحكم الإسلامى، وأساس العلاقات الإسلامية، فإن من الواجب أخذ الجانى بجريمته، ولذلك اتجه إلى بيان ما ينبغى لحماية الأنفس في الداخل بعد أن بين طريق حمايتها في الخارح، وهذا بالقتال، وكانت الحماية في الداخل بالعقوبات المقررة الثابتة في الإسلام، فذكر عقوبة القتل الخطأ من المؤمنين أو من قوم بيننا وبينهم ميثاق، ثم ذكر عقوبة القتل العمد الأخروية لأنه ذكر القصاص في سورة البقرة، وقال سبحانه: {ولكم في القصاص حياة}.
وبهذا بين الله سبحانه احترام الإسلام لحق الحياة، ولذلك لا يُطل دم في الإسلام، وهو لا يحترم حق الحياة للمسلمين فقط، بل يحترمها للناس كافة إلا في حال الاعتداء، ولذلك أمر بالاحتراس في الحرب من أن يقتل غير مقاتل، أو يحارب غير محارب، وأمر المؤمنين عند القتال والخروح إليه ألا يقتلوا من يلقى السلام، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعمفون خبيرا}.
وإن العدل لا تقوم أركانه في الأرض إلا بأمرين: أحدهما: استعداد أهل الحق لدفع شر الأعداء للحق، وإن للمجاهد فضلا على من لى يجاهد، ولذا قال سبحانه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة}.
الأمر الثانى: ألا يرضى مؤمن بالبقاء في ذلة تحت سلطان عدو الله وعدو الحق، بل عليه أن يهاجر من أرض الذلة، ولذا قال سبحانه: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}.
وقد بين سبحانه وتعالى وجوب الهجرة على القادر عليها، وفضلها.
وإن الجهاد فريضة محكمة، والصلاة ذكر الله، ولذلك لا تسقط فريضة الصلاة في الجهاد، بل هي واجبة، ولها نظام خاص يلتقى فيها الجهاد مع أداء الصلاة جماعة بإمام واحد، فيبتدئ الإمام مع فريق والآخر يحرس الجماعة المجاهدة من الغارة، حتى إذا كان نصف الصلاة ذهب الذي ابتدأ معه للحراسة، وجاء الذي لم يبتدئ، وأتم الإمام صلاته معه، ثم يكمل كل ما فاته. وله فضل الجماعة.
وإن الصلاة قد اتخذت منها قوة معنوية، ولذلك أمرهم بالثبات بعد الصلاة، فقال سبحانه: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما}. وإن النبي صلى الله عليه وسلم في جهاده إنما يجاهد للحق، وهو الحكم العدل، ثم بين سبحانه وتعالى العدو الداخلى وهو النفاق والمنافقون، وكيف كان صلى الله عليه وسلم لا يكشفهم ولا يظهرهم، فيقول سبحانه: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا}، وبين سبحانه عدله الكامل، ورحمته الشاملة، أما عدله فبجعله الجزاء موافقا للعمل {ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه}.
وأما الرحمة فبفتحه باب التوبة وباب المغفرة {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}.
وإن الفضل والرحمة والعدالة فيما أنزل سبحانه: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}.
وقد بين سبحانه أن الاستخفاء بالأقوال والأفعال عن الرسول أكثره لا خير فيه: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}، فالنفاق استخفاؤه ضلال، والإيمان استخفاؤه إصلاح، ونفع، ثم بين أن الموالاة بين المنافقين والمشركين مشاقة لله ورسوله، {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.
ولقد بين الله سبحانه وتعالى دعوة الله تعالى ودعوة الشيطان. فدعوة الله تعالى إلى تحكيم العقل، ودعوة الشيطان إلى الضلال والغواية، فالشيطان يدعو إلى تقطيع آذان الأنعام، وتغيير خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا، وبين عاقبة المتبعين لله ولرسوله، وعاقبة المتبعين لأهوائهم، وكيف يرجون الخير ولا يعملون إلا الشر، وهى أمانى كاذبة {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}، وقد أشار سبحانه إلى أحسن الأديان، وهو الاتجاه إلى الله وحده وإحسان العمل، واتباع النبيين.
وإن الإسلام هو القسط، وقد اتجه سبحانه إلى إصلاح الأسرة بمنع الظلم عن المرأة، فإن شكت من زوجها نشوزا عالجته هي بالإصلاح، فإن لم تجد استعانت بمن يصلحه من أقارب، وإن لم يجد إصلاحا {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته}، وإن تقوى الله في كل الأعمال هي المطلوبة، وهى التي تصلح النفوس. ولذلك صرحت الآيات الكريمة بأنها أمر الله الدائم إلى يوم القيامة، أمر به من سبقوا ومن لحقوا.